العقل هو ذلك البصمة التي يتركها داخلنا، وتظهر للآخرين حين نغوص بأعيننا في أعينهم، وحين تتحدث ألسنتنا بما تخفيه أرواحنا، وحين تنعكس أعماقنا على ملامحنا أثناء الحوار.
العقل هو ذلك الصديق الذي يقرأ أمانيك ويترجمها لكلمات ومعانٍ
قد يكون حولك أصدقاء من كل الخلفيات، الأعمار، الجنسيات، ومن كل الأزمنة والأماكن، لكن يبقى عقلك هو الأقرب إليك والأكثر ولاءً. يتبعك أينما ذهبت، يرافقك في الرحيل والعودة وحتى حين تفكر في الابتعاد عنه، يبقى إلى جانبك بإصرار. هو الرفيق الذي لا يخذلك ولا يغيب، مهما كانت الظروف.
الصديق الخفي
العقل هو ذلك الصديق الذي يقرأ أمانيك ويترجمها لكلمات ومعانٍ. في داخله يكمن صندوق الأفكار المتجددة والحلول التي تدافع عنك. إنه الحصن الآمن الذي يحفظ أسرارك بكل أمانة ويصون مكانتها بعيداً عن أعين وأيدي الآخرين. وقد جعله الله وسيلة تواصل بين البشر وبينه وبين ذاتهم.
هذا الصديق الأوفي لا يعرف الوحدة؛ فهو يسكن معك ويملأ لحظات فراغك بالتفكير والتخطيط واتخاذ القرارات. حين تواجهك الأوضاع الصعبة، يناقشك ويرشدك بما يراه حقاً. حتى عند الاختلاف بين قلبك وعقلك، يتدخل العقل بالهدوء والحكمة ليوازن القرار. يرافقك وأنت نائم أو مستيقظ، حزين أو سعيد، يشاركك كل مشاعرك دون شكوى.
العقل هو شاشة حياتك الكبرى، التي تعرض لك أفلام الذكريات بمزيجها من المواقف السعيدة والصعبة، يمنحك الحرية لتختار ما تريد أن تستعيده منها. إنه أيضاً الفنان الذي يرسم خيالاتك وشؤونك العاطفية، والمتحف الذي يخزن تاريخك وعلمك وكل ما تعلمته. بلا حدود أو حواجز، إنه نظرة مستمرة نحو العالم وأفكاره.
هو المعلم الذي يبدع كلمات الشعر والقصص والروايات، والمختبر الذي يولد الاكتشافات ويبني الأفكار لتحيا على أرض الواقع أو داخل خيالك. في ورشة عقلك تُبنى العمارة الكبرى وتصمم الجسور ونواطحات السحاب. كذلك هو المكتبة التي تجمع شتى العلوم والفنون والسياسة والثقافة داخلك بلا توقف أو ملل.
العقل كمبيوتر بشري فريد يرسم الروابط بين الأفكار والمشاعر والأفعال. يقظ ومتحفز دائماً، يعالج ويتفاعل ويحلم بكل تفاصيل الحياة. بدون ذهن فعّال، يضيع الهواء الذي يدخل إلينا مع كل شهيق وزفير، ويتوقف القلب وتغادر الحياة.
وفي الجانب العاطفي، هو منبع الحب والنور الذي يرشد خطواتنا حتى ولو كانت عيوننا مغلقة. العقل هو الحكمة والبصيرة التي تكشف الأقنعة وترصد خفايا النوايا المخبأة داخل العيون الجامدة. إنه الميزان الحساس الذي يعرف كيف يرفع صاحبه فوق السماء أو يعيده إلى صميم الحقيقة، بلا أنسجة أو خلايا ملموسة يمكن تبريرها.
العقل هو جسر التواصل بيننا وبين العالم، كل كلمة وكل نظرة وكل همسة وكل شعور عابر يصلنا بمستوى أعمق من الإدراك. هو الصديق الخفي الذي يناجي الله بصوته الداخلي طلباً للراحة والصحة والرزق. وإذا أهملناه برعونة أو تجاهلنا قوته، قد يتحول إلى خصم عسير.
لذلك، لا تنسَ أن تكون صديقاً لعقلك، لأن صداقتك له تعني أنه سيبقى مخلصاً إليك دائماً.
تحياتي.
0 comments:
إرسال تعليق