ثقافة الاعتذار وقصة يوم حرقت فيه طاسة أمي

culture-apology-story-day-burned-mother
ثقافة الاعتذار


تتعلق هذه القصة بثقافة الاعتذار، التي يمكن أن تبني علاقات أو تهدمها، وكل ذلك بسبب كلمة بسيطة: "آسف!".

**يوم حرقت فيه طاسة أمي!**

في إحدى ليالي الصيف الهادئة، حيث كانت الأجواء خالية من أصوات الرعد والبرق، ولم يكن هناك صوت المطر الذي يدفعك إلى الفراش حتى في عز النهار، كان هناك صوت أقوى يهز جدران معدتي، مُخبرًا إياي بأنه لا مجال للنوم قبل تناول وجبة مشبعة.


كنت في العاشرة من عمري - حسب ذاكرتي، لكنني كنت دائمًا كائنًا عصاميًا، لا أحب أن أرهق الآخرين بطلبات مزعجة في أوقات الهدوء، خاصة بعد منتصف الليل. كان هذا هو وقت مغامراتي الجديدة، بعيدًا عن قلق أمي المبالغ فيه تجاهي، والذي كان نابعًا من حبها في رأيها، ومن قلة ثقتها بي في رأي عقلي الصغير آنذاك، حيث كنت أصغر أفراد الأسرة، كما يقولون باللهجة المصرية "آخر العنقود".


قررت في ذلك الوقت أن أصنع لنفسي طاسة بيض مقلي، رأيت أمي تطهوه أكثر من مرة فحفظت طريقته وخطواته، كنت حذرًا للغاية وأنا أسحب طاسة صغيرة من دولاب الأواني في المطبخ؛ حتى لا تستيقظ أمي، التي لا تخطو إلى درجات سابع نومة إلا بنوم البيت كله، حينها فقط تطمئن في سباتها.

نجحت المهمة الشاقة في كبت الأواني حتى لا تخرج صوتًا، وبدأت في طهي الطعام، بصرف النظر عن أن هناك معضلة غريبة لا يفهمها عقلي حتى اليوم، وهو لماذا لا يكون مذاق طعامي مثل مذاق طعام أمي برغم اتباع نفس الخطوات؟ ماذا تخبّأ هذه السيدة في يدها تضعه في الطعام ولا تخبرنا بسرها؟

لكن كارثة ما حدثت، وضعت سمن قليل، فأحترق البيض ومعه طاسة أمي، كانت خبراتي ضعيفة للغاية في كيفية إخفاء الجرائم التي يرتكبها المرء في المطبخ، تخيّلتُ سيناريوهات عدة لما سيحدث في صباح اليوم التالي، كان أقلها أن أستيقظ على صوت أمي وهي تصرخ من تلك الجريمة الشنعاء في قاموس الأمهات.

رسالة بخط اليد

لم أكن أعلم وقتها أنني لا أحب شيئًا مثل حبي للكتابة، لكن بالفطرة الإلهية خطر على بالي أن أترك لأمي ورقة أعبّر فيها عن أسفي عن هذا الفعل، رسالة هدفها الأكبر هو الاستعطاف أكثر من كونها اعتراف بالخطأ، كتبت «آسف يا أمي علشان حرقت الطاسة»، وذيلتها بتوقيعي الطفولي آنذاك، ووضعت الورقة في أقرب مكان من الطاسة وفي نفس الوقت يكون مرأيًا لأمي، فوق حوض الصحون في المطبخ.

وبالفعل كانت النتيجة أجمل ما توقعت، أول من اكتشف الجريمة والدي الذي ضحك وراح يبلغ أمي بأمر الورقة فشاركته الضحك ونسيت أمر طاستها، أما أنا فكنت سعيدًا أن هذا الفعل رغم بساطته تمكن من إخماد غضب أمي قبل أن يشتعل!


منذها، علمت أن قيمة الاعتذار عظيمة في النفوس، مهما كان خطأك يمكن أن تمحوه بكلمة واحدة؛ «آسف». وتعلمت بعدها من خطأي وأصبحت أضيف سمنًا أكثر نسبيًا؛ حتى لا أعيد الجريمة الشنعاء في حق طاسة أمي.


تحذير: هذا المقال لا يشجع الأطفال على التعامل مع نار موقد الطهي دون إشراف عائلي، وينبّههم إلى ضرورة الحفاظ على طاسات أمهاتهم سليمة دون أذى؛ فليس كل مَرَّة تسلم الجرَّة.

شاركه على جوجل بلس

عن شمس على

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق