![]() |
رمضان والبهجة الخفية |
رمضان هو موسم يحمل بين طياته سكينة فريدة، يعيد ترميم القلوب المرهقة ويمنحها الطمأنينة والدعاء بغد أفضل.
رمضان والبهجة الخفية
لطالما ترددت أمنيتي بأن تكون كل أيام السنة كأيام رمضان.
لم أفهم تمامًا السبب الذي يقف وراء ذلك الشعور، ولم أتمكن من تحديد مصدره، لكنه استقر داخلي منذ نعومة أظفاري.
سكينة رمضان وطريق النجاة
رغم المشقة التي كان يسببها لي الصيام في طفولتي، إلا أن هناك إحساسًا بالفرح الخفي الذي كان يرافقني من أول يوم فيه. بهجة عجيبة تأتي بلا تفسير، تمنحني قدرة غريبة على مواجهة كل شيء صعب وكأنه بات هينًا ولينًا.
واليوم، لازلت أحتفظ بهذه البهجة، لكنها تلازمني فقط في شهر رمضان. وما إن يغادر الشهر الفضيل، تأخذ معها تلك البهجة مودعةً قلبي حتى السنة القادمة.
من أمنياتي أن يكون كل أيام السنة كأيام رمضان
قبل حلول رمضان، كنت غالبًا أشعر بالتشتت والضيق الذي يجعل الحياة تبدو أمامي كتلة من الجدران الضيقة والأبواب المغلقة بإحكام. شعرت بالاختناق وكأنني أعيش فرصتي الأخيرة للنجاة، وكانت محاولاتي للتغيير تبوء بالفشل الواحدة تلو الأخرى.
رغم اجتهادي وإظهار ثباتي في بعض الأمور بشكل طفيف ومطمئن، كنت من ناحية أخرى أقف مكانًا لا يتحرك بي الزمن؛ ثابتة كصخرة مهملة على جانب طريق منسي، أشعر وكأن وجودي غير مُلاحظ ولا تأثير له! كنت أصل إلى أهدافي، لكن دون الشعور برضا حقيقي أو بصمة تُذكر.
حاولت التصدي لمخاوفي، لكنها بدت أقوى وأشد صلابة مما توقعت. كنت أتقدم خطوة للأمام، ثم أجد نفسي تتراجع خطوتين إلى الوراء. شعرت بالظلام يحاصرني، وظللت أخشاه باستمرار.
رمضان والهجرة من الألم إلى السلام
حالة من التوتر والقلق المستمرين كانت تأخذ من قوتي شيئًا فشيئًا، حتى باتت قراراتي عبئًا نفسيًا عليّ. كل قرار يصبح اختبارًا يزيد قلقي ويستنزف طاقتي وأحيانًا يُغرقني بالبكاء، كأنني واثقة بأن تلك الخطوة ستكتب نهايتي. وكلما حاولت استنشاق لحظة أمل أو رؤية شعاع نور بعيد عن واقعي المعقد، كنت أعود مجددًا إلى إحساسي بالاختناق والعجز، كما لو أنني غارقة في مكانٍ بلا نهاية.
وغالبًا ما كنت أجد الحل الوحيد هو الهروب؛ الهروب من كل شيء ومن الجميع، رغم أنني في كل مرة أهرب فيها، أعود بحصيلة أثقل من الفشل والخسائر، وأخاف الوحدة بشكل يجعلني أشعر بثقلها العميق داخل نفسي.
لكن مع قدوم رمضان، يتجدد بداخلي شعور الطمأنينة والسكينة. إنه يعيد لي شيئًا من النور الذي أحتاجه للخروج من دائرة الضيق والكآبة. فجأة تبدأ الأبواب المغلقة تبعث لي برسائل أمل وتخبرني أن الانغلاق ليس دائمًا، وأن القادم يحمل احتمالات جديدة.
أحتفل بهذا الشعور كما لو أنني طفلة تلقت كل أمنياتها دفعة واحدة، ناسياً بذلك كل ما حملته الأيام السابقة من تعب ومشقات.
رمضان: البلسم الذي يهدئ ضجيج النفس
ومع ذلك، يخطر ببالي تساؤل: ماذا يحدث لو بقيت تلك الأوجاع غير محلولة بلا معالجة؟ هل سيتعقد الوضع أكثر؟ أم أن لطف الله في مواسم هذا الشهر كافٍ ليعيد ترتيب أحوالنا؟
رمضان يأتي بروحانيته ليكون البلسم الذي يهدئ ضجيج النفس وأعبائها. إنه بمثابة فترة راحة أو "جرعة مسكن" تمنحنا فرصة للبدء من جديد بطريقة أكثر هدوءاً وتوازنًا.
علينا أن نستفيد من هذه اللحظة الهادئة لنؤمن بأن الأمل لا يمكن أن يموت مهما بلغت قسوة الظروف. السعادة دائمًا لها مكان في أي زاوية وإن بدت الحياة فوضوية ومليئة بالتحديات.
رمضان يقول لنا إننا نستحق السعادة والبهجة في كل لحظة، وإن الانتظار دائمًا يحمل بين طياته الخير والرحمة.
0 comments:
إرسال تعليق