عودي يا أمي، عودي إلى الحياة

Come-back-mother-come-back-to-life
عودي يا أمي، عودي إلى الحياة


عودي يا أمي، عودي إلى الحياة. شعور غريب يجتاحني، يخدر عقلي ويسرقه مني، ثم بعد ذلك، ينقلب كل شيء. نرتكب أشياء لا نعيها، وننتهي بذنب يثقل قلوبنا. كنا نحب، ثم نصبح وحوشًا خالية المشاعر، تلطخ أيدينا بدماء من أحببنا.

الموت والدموع والندم

عودي يا أمي، أشعر أن كل شيء قد تجمد داخلي. أطرافي مرتعشة، دفء الحياة غادرني. لم يعد هناك حضن يحتوي ضعفي أو قلب يحبني بلا شرط. هذا الصقيع ينهش أعماقي، يتسلل إلى دمي مع كل ثانية تمر.

أين أنتِ يا أمي؟ تعالي واحضني برفقك الذي أعرفه. أنا أختنق، للمرة الأولى أشعر أنني أموت حقًا.

لا إجابة من أحد. الصمت ثقيل، حتى صوت نبضاتك الذي كان يريحني قد اختفى. دفء الحياة الذي عرفته منك رحل.

أرجوكِ، يا أمي، دثريني. لماذا تركتيني؟! عودي يا أمي… إلى الحياة. لكن لا ردّ. لا حياة خلف هذا الصمت.

البحث عن الأم المفقودة

صعد إلى غرفتك، المكان الذي صار يحمل رائحة الموت. كانت آثار الدماء شاهدة على ما حدث. جثا على ركبتيه بجوار كرسيك، ينظر إلى عينيك المفتوحتين، حيويتهما لم تخمد رغم الرحيل. لمس شعرك بحذر بينما ارتجافته تعكس رعبه وندمه. شعر بدفء جسدك على غير المتوقع، فزادت دمعته انسكابًا.

عانقك رغم السكوت المطبق على جسدك الهامد. بكى وصرخ بملء حزنه: سامحيني يا أمي. لم أقصد إيذاءك… صدقيني! لم أستطع السيطرة على نفسي… ظننتك شيءً آخر… وحشًا ربما… سامحيني، هذه الحبوب هي من قادتني لهذا الجنون.

قطع بكاؤه دوي أصوات الشرطة وهم يقتحمون المكان فجأة. قيدوه بشدة وانتزعوه بعيدًا عنها وهو يقاوم، يتمسك بجسدك وكأن ذلك سيعيد الحياة مجددًا. أدخلوه السيارة رغماً عنه.

في التحقيق، اعترف من أول سؤال ودلّهم على الشخص الذي باعه تلك الحبوب القاتلة التي جعلته يفقد صوابه. ألقي القبض أيضًا على تاجر السموم وحُكما بالإعدام.

***

صمت الموت والدمار

أصبحت حياتي في زنزانة باردة لا تترك مجالًا سوى للتفكير والندم. الوجوه هنا مسكونة بالصمت أو بالحدود المرسومة للارتباك والخوف مني. الجميع يعاملني بجفاء، وكأن ذنبي يعرّفني الآن.

لكنني لا أفكر إلا بكِ أنتِ، يا أمي. لماذا لم تأتِ؟ أين روحك الحنونة التي وعدت ألا تفارقني؟ أين دفء قلبك؟ وعدتِ بالبقاء حتى لو فرقتنا الحياة... لكنك لم تفِ بهذا الوعد يا أمي. لا ألومك، أتفهّم أنك غاضبة مني... كم كنت غبيًا عندما ظننت غير ذلك.

أعرف أنك تتألمين… تعرفين أنني أستحق ذلك. لكن ألمك مازال موجوداً رغم رحيلك عن دنياي. غدًا سأواجه العقاب الأخير... لكن قبل ذلك أتمنى أن تزوريني ولو للحظة واحدة.

***

وقفوا بي أمام منصة النهاية، وقيدوا رقبتي بالحبل استعدادًا لتنفيذ الإعدام. كان الشيخ بجواري يلقنني الشهادتين والدموع تخنق صوتي المتحشرج. نطقتها بكل ما تبقى في روحي من صدق، وقبل أن أتمّ دعائي دفع الجلاد الكرسي من تحتي فانقلبت اللحظة الأخيرة لصراخٍ مزّق قلب كل من كان شاهدًا.

رغم غيبوبتي الوشيكة شعرت بذكرة من حياتي تعود… رأيتكِ واقفة أمامي كالعادة في دفء حبك الأبدي. أمسكت بوجهي بحنية وقلت بصوتك المعهود الذي لطالما هدّأ فوضوي: لا تخف يا بني. لقد سامحتك… أنا أحبك.

هنا فقط أخذت أنفاسي الأخيرة وأنا أشعر لأول مرة بالسلام الحقيقي.

شاركه على جوجل بلس

عن شمس على

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 comments:

إرسال تعليق